منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

(الاستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي) وقد يستدل به على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي وقربه الشيخ الانصاري (قده) بانه عندنا علم اجمالي بوجود اخبار يعلم بصدورها فيجب العمل بكل خبر ظن بصدوره او بمظنون المطابقة (١) ثم اعترض عليه بانه لم يكن هذا الدليل موجبا للعمل بالخبر بل يقتضى

__________________

(١) توضيح كلامه (قده) هو ان مقتضى ما ذكره من تحقق العلم الاجمالي بصدور جملة من الاخبار في الكتب المروية عند الشيعة هو لزوم العمل على طبق جميع الامارات حتى غير المعتبرة للعلم الاجمالي بمطابقة بعضها للواقع فلا ينحصر الاحتياط بالاخبار المروية في الكتب المعتبرة للعلم الاجمالي بمطابقة بعضها للواقع مع أنه لا يلتزم به احد وقد اجاب المحقق الخراساني قدس‌سره بان للعلم الاجمالي مراتب ثلاثة الاولى العلم الاجمالى الكبير واطرافه جميع المشتبهات وينشأ من الالتفات الى معني الشرع والشريعة فانه بمجرد ذلك يحصل له العلم بالاحكام الشرعية الذي تشمل المشكوكات والمظنونات والموهومات ، الثانية العلم الاجمالي المتوسط ومورده الامارات المعتبرة وغير المعتبرة الثالثة العلم الاجمالي في خصوص الاخبار وبعد معرفة مراتب العلم الاجمالي فاعلم ان المرتبة الاولى تنحل بالمرتبة الثانية والثانية تنحل بالثالثة اذ ملاك الانحلال هو ان لا يكون المعلوم بالعلم الاجمالى الصغير اقل عددا من المعلوم بالاجمالي الكبير المحتمل انطباقه عليه وتمييز ذلك انه لو افرزنا من اطراف العلم الاجمالى الصغير بالمقدار المتيقن لم يبق لنا علم اجمالي في بقية اطراف الشبهة ففي المقام ان المعلوم بالاجمال المتحقق في جميع وقائع المشتبهة لا يزيد على المعلوم بالاجمال في ضمن المظنونات اذ منشأ العلم الاجمالي الكبير ليس إلّا استلزام الشرع لوجود احكام فيها ويكفى في ذلك ما قامت عليه الامارات من التكليف فانحل العلم الاجمالى الكبير

٢٤١

الاحتياط في اطراف العلم خيرا كان ام لا ثم صور صورا تارة يجب العمل بالاخبار خاصة ان كان عندنا علم اجمالي بثبوت تكاليف في خصوص الاخبار

__________________

بالمتوسط وينحل المتوسط بالصغير اذ لو عزّ لنا عددا معينا من اطراف العلم الاجمالي الصغير اعني بها الاخبار المروية في الكتب المعتبرة بمقدار المعلوم بالاجمال الموجود فيها لم يبق لنا علم بوجود تكاليف في غيرها ولو ضممنا سائر الامارات غير المعتبرة التي لم تكن موافقة وذلك يكشف عن ان عدد المعلوم بالاجمال في اطراف العلم المتوسط لا يزيد على عدد المعلوم في العلم الاجمالي الصغير ولازم ذلك انحلال العلم المتوسط بالصغير فيكون الشك في غيرها من الشك البدوي لا المقرون بالعلم الاجمالي ، وقد خالف ما ذكره قدس المحقق النائينى في درسه الشريف بان المتوسط لا ينحل بالصغير وفاقا للشيخ الانصارى قدس‌سره بعد ان ذكر استكشاف الانحلال وعدمه بعزل طائفة من المعلوم بالاجمال الصغير فان بقي المعلوم بالاجمال الكبير فالعلم الاجمالي الصغير لا يوجب انحلال الكبير وان كان مع هذا العزل لا يبقى المعلوم بالاجمال الكبير فهو يوجب الانحلال

وبالجملة المعيار في الانحلال كون المعلوم بالاجمال الصغير بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير فلو عزّ لنا طائفة من المظنونات وضممناها الى المشكوكات يوجب رفع العلم الاجمالي لان ضم المشكوكات لا يوجب إلّا الشك بخلاف العلم الاجمالي المتوسط واما لو عزّ لنا طائفة من الاخبار وجعلنا عوضها الامارات فالعلم الاجمالي باق بحاله فلا يوجب انحلاله لأن مناط عدم الانحلال متحقق وهو وجود قضيتين مشكوكتين ان قلت الامارات ما عدا الاخبار لم يكن بخصوصها علم اجمالى وانما هي طرف للمعلوم بالاجمال ويحتمل ان ينطبق على ما في الاخبار وحينئذ يسقط العلم الاجمالى عن التنجيز حيث انها لما كانت الاخبار احد الاطراف

٢٤٢

بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير فيوجب الانحلال فينتج العمل بالاخبار ، واخرى يكون عندنا علم اجمالي لم يكن بمقدار المعلوم بالاجمال فلا يوجب الانحلال وجعل المقام من الثاني واشكل عليه الاستاذ (قده) بانه لا يلزم من انحلال العلم الاجمالي الكبير بعلم اجمالي بثبوت تكاليف في الاخبار بمقدار المعلوم بالاجمال بل ولو لم يكن وجود تكاليف بمقدار ذلك ولكن وجود حجة صادرة من الامام (ع) بمقدار المعلوم بالاجمال فانا نعلم بصدور أخبار بمقدار المعلوم بالاجمال وذلك موجب للانحلال ولأجل ذلك قرب الدليل العقلي في الكفاية بوجه مختص بالخبر على وجه يرفع اشكال الشيخ الانصاري (قده) فراجع ذلك ليتضح لك الحال.

وتحقيق المقام أنه لا اشكال في كون العلم الاجمالي الصغير إن كان بمقدار المعلوم بالاجمال الكبير موجب للانحلال بناء على ما سلكه الشيخ والاستاذ

__________________

والاخبار فيها علم اجمالى بخصوصها ويكون من قبيل ما لو علم بوقوع قطرة بول اما باناء معلوم نجاسته او باناء آخر ولا ريب ان مثل هذا العلم الاجمالى يوجب الانحلال قلت هذا خلط بين باب الانحلال وباب التاثير فان مناط الانحلال هو وجود قضية متيقنة وقضية مشكوكة والمقام ليس من ذاك القبيل إذ ليس ذلك متحققا فيه مضافا الى ان باب التاثير انما هو فيما اذا كان الطرف المنجز معارضا بمنجز سابق يرفع بمنجز لا فيما اذا كانا في عرض واحد كما في المقام فان العلم الاجمالى المتوسط مع العلم الاجمالى الصغير حصلا في آن واحد فحينئذ لا يوجب انحلاله وثانيا نتيجة دليل الانسداد لو تمت فانما يوجب العمل بما هو ارجح مطابقة للواقع لا العمل بمظنون الصدور.

وبالجملة الاستدلال بهذا الدليل لا يثبت المدعى ولا يخفى ان هذا الاشكال يرد على الانسداد الكبير فافهم وتامل.

٢٤٣

قدس‌سرهما وإن كان لا يخلو عن الخدشة في ذلك وإن كان العلم الإجمالي يبقى مع أى طائفة كانت تفرض بعزلها من الاخبار فلا يكون العلم الاجمالي منحلا ومقتضاه رعاية العلم الاجمالي الكبير فيجب الاحتياط في أطرافه وإن كان العلم الاجمالي يبقى على تقدير عزل شيء من الاخبار والانضمام الى طائفة معينة من الامارات فلا يكون العلم الاجمالي منحلا إلا في الجملة اي بالنسبة الى ما لا يبقى معه ذلك العلم من الطوائف فينبغي التخيير بين دائرة الاخبار وبين طائفة منها منضمة الى سائر الامارات إذ ليس لنا إلا تكليف واحد متحقق في ضمن الأخبار مع الضم إلى تلك الطائفة المعينة واما ضمها إلى بقية الطوائف فلم يكن هناك تكليف إذ لم يكن هناك علم إجمالي فيكون مشكوكا شكا بدويا فتجري البراءة فمثل هذا العلم الاجمالي لا يراعي بوجه إلا على وجه التخيير بين رعاية الاخبار وبين تلك الطائفة المعينة وبقية الامارات بخلاف الاول فانه انما يوجب الاحتياط ولا ينحل العلم الاجمالي من جهة وجود القطع لتحقق تكليف وراء ذلك التكليف فيعلم بتحقق تكليفين فيجب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالى الكبير لعدم انحلاله.

وبالجملة لا يجب مراعاة العلم الاجمالي إلا على النحو الأول دون النحو الثاني فانه كما عرفت يجب عليه التخيير بين دائرة الأخبار وبين تلك الطائفة المعينة وسائر الأخبار وكيف كان فلا اشكال في جريان الاصول النافية في اطراف العلم الاجمالي واما الاصول المثبتة فان كانت بمقدار العلم الاجمالي فتوجب انحلاله وإلّا فلا توجب الانحلال هذا ان كانت عقلية وان كانت شرعية فان كانت اقل من العلم الاجمالي فلا ينحل وينحل اذا كانت بمقدار يزيد على المعلوم بالاجمال ان كانت تلك الاصول في مورد الأمارات غير الأخبار ، واما اذا كانت في موارد

٢٤٤

الأخبار وكانت بحيث تزيد على المعلوم بالاجمال فيشكل انحلال العلم الاجمالي لأنه اذا كانت في موارد الأخبار فلا بد من توافق بعض الأخبار مع بعض الاصول فاذا حصل التوافق سقطت الاصول من الاعتبار لحكومة الأخبار عليها كما هو المختار أو ورودها كما هو غير المختار فيسقط البعض من الاصول عن الاعتبار ولما لم يكن لهذا البعض معين سقطت الأصول عن الاعتبار ووجب العمل بمقتضى العلم الاجمالي وكذا اذا كانت الاصول بقدر المعلوم بالاجمال في الأخبار إذ هو ايضا مع توافق بعض الاصول وبعض الأخبار يوجب طرح بعض الاصول كسابقه على انه مع طرح الاصول لا يكون بمقدار المعلوم بالاجمال واما لو كان العلم الاجمالي يبقى مع انعزال طائفة خاصة كما تقدم منا. وقلنا ان مقتضاه التخيير ، فان قلنا بالاحتياط في دائرة الأخبار لم تكن الاصول المثبتة موجبة للانحلال وان قلنا بالتخيير لزم بواسطة الأصول انحلال العلم الاجمالي كما لا يخفى (١) فتأمل في المقام فانه لا يخلو عن دقة.

__________________

(١) ذكر الاستاذ المحقق النائينى قده وجها ثانيا عن استاذه جريان تلك المقدمات في الاحكام الظاهرية وهي انا نعلم اجمالا بصدور اخبار من المعصوم عليه‌السلام وبضميمة اصالة الظهور وعدم التقية تدل على وجوب التعبد بالاخبار وبضم المقدمات الآخر نعلم بصدور احكام ظاهرية ازيد من المعلوم بالاجمال المتوسط فحينئذ يوجب انحلاله لتحقق ملاك الانحلال الذي هو كون المعلوم الصغير ازيد من المعلوم الاجمالي المتوسط ، وهذا المقدار انما يتحقق في المقام دون الوجه السابق من جهة حكم الشارع بالهوهوية فيزيد المعلوم عليه فيوجب انحلاله ومن هنا يعلم ان هذا الوجه اصح من سابقه من جهة تحقق مناط الانحلال في هذا

٢٤٥

ثم انه قال ان مقتضي التقريب المتقدم هو مجرد وجوب العمل بالاخبار المثبتة للتكليف ولا تثبت به حجيتها شرعا بنحو تنهض لصرف ظواهر الادلة

__________________

الوجه دون سابقه.

اقول نتيجة هذا الدليل تتحد مع مقالة صاحب الحاشية على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في دليل الانسداد فان مرجع تلك المقالة الى ان الشارع نصب طريقا واراد منا تحصيل تلك التكاليف بالطرق المنصوبة فينتج حجية الظن بالطريق لا بالواقع وفي المقام مثل ذلك غاية الامر ان الشك في ذلك المقام في طريقية الطريق وهنا في اصل الطريق. وكيف كان يرد عليه اولا ان الانحلال انما يترتب على الحجية والحجية وان كانت من الاحكام الواقعية غير منوطة بالعلم إلّا انه لا تحصل ما دامت غير واصلة فمع عدم الوصول لا حجية. وبعبارة اخرى ان الحجية عبارة عن التعبد بالظهور ، ومع الشك في صدور الخبر كيف يمكن التعبد بظهوره والتعبد على تقدير دون تقدير يلزم حصول الظهور على تقدير دون تقدير وهو باطل.

وكيف كان فالانحلال يتوقف على كون الاخبار الصادرة تفيد احكاما ظاهرية بعد جريان الاصول اللفظية والجهتية وبذلك يرتفع الاشكال المذكور نعم يتوجه الاشكال بناء على ما ذكره الشيخ من ان الاخبار الصادرة تفيد احكاما واقعية وبما ذكرنا يفرق بين كلام الشيخ والاستاد قدس الذي هو مناط الانحلال وعدمه وثانيا ان بطلان الاحتياط الذى هو احد مقدمات دليل الانسداد الصغير والكبير ينافى القول بالانحلال لان بطلان الاحتياط ليس عبارة الا الرخصة في ترك البعض ولعل الذي تركه هو المعلوم بالاجمال مثلا لو علمنا اجمالا عشرين موطوءة في ضمن قطيع من الغنم ثم علمنا في عشرين من البيض موطوءة فالاحتياط

٢٤٦

القطعية كالكتاب والسنة ولكن لا يخفى ان جريان اصالة الظهور انما تجرى بعد الفراغ عن تحقق الظهور وفي الأخبار الصادرة المعلومة بالاجمال ومع الشك لا تجري اصالة الظهور فحينئذ تبقى العمومات والمطلقات على حجيتها. واما الاصول الشرعية فالنافية غير جاربة في اطراف العلم الاجمالي ولو كانت غير معارضة لمانعية العلم الاجمالي من جريانها ، واما المثبتة مما كان منها عقلية كقاعدة الاشتغال فلا مانع من جريانها لعدم تنافيها للعلم الاجمالي ، وما كان منها شرعية كمثل الاستصحاب فهي وان قلنا بجريانها في جميع اطراف العلم الاجمالي إلّا ان في المقام لا تجري لحكومة تلك الحجج الشرعية على بعض تلك الاصول الجارية في مواردها وتخصيص

__________________

فى البيض يوجب انحلال العلم الاجمالي المتحقق في قطيع من الغنم فلو لم يجر الاحتياط في البيض لمانع فلا يبقى له قطع بتحقق التكليف فلا ينحل والمقام كذلك فان الاحتياط لو لم يجر في جميع الاطراف فكيف ينحل إذ لعل ما اتى به ليس بمتحقق بالعلم الاجمالي.

وبالجملة مفاد عدم الاحتياط ليس إلّا التكليف المتوسط والتكليف المتوسط ليس إلّا الاخذ بمثل المظنونات وترك المشكوكات والموهومات وهذا التكليف المتوسط لا يوجب انحلاله.

ان قلت ان انحلال العلم الكبير انما هو بالعلم الصغير والتكليف المتوسط في مرتبة الامتثال فانحلاله سابق عليه ، لانا نقول فهو وان كان في مرتبة الامتثال ولكن معنى عدم جريان الاحتياط هو رجوع العلم الاجمالي الى الاخذ بالامتثال الظني وترك المشكوك والموهوم وفي الحقيقة هذا ليس انحلالا له فافهم وتأمل.

٢٤٧

(لا تنقض) الموجب لسقوط الجميع لعدم المرجح عن الاعتبار ولذا نقول بعدم قابلية الاصول المثبتة لانحلال العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة ولو كانت بضميمة الاصول المثبتة بمقدار المعلوم بالاجمال هذا مع عدم احراز الظهور ، واما مع احراز الظهور كما هو كذلك لا مانع من جريان اصالة الظهور وبه تسقط الاصول عن الاعتبار (١) فافهم.

__________________

(١) لا يخفى ان الاخذ بالاخبار المروية في الكتب المعتبرة من جهة العلم الاجمالي بصدور بعضها او اكثرها هل كان من باب الاحتياط او كان من باب اعتبارها طرفا للواقع بنحو تقدم على الاصول اللفظية كاصالة الاطلاق والعموم او عملية تنزيلية كانت او غير تنزيلية فالكلام يقع من جهتين الاولى بالنسبة الى الاصول العملية الجاربة في اطراف العلم الاجمالى فتارة يكون مفاد العلم الاجمالى حكما الزاميا واخرى حكما ترخيصا فان كان حكما الزاميا فلا تجري الاصول النافية في جميع الاطراف من غير فرق بين كونها محرزة كما لو علمنا بنجاسة احد الإناءين الطاهرين فان جريان استصحاب الطهارة في الإناءين معا موجب للمخالفة القطعية وفي احدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح وفي كونها غير محرزة كالمثال السابق مع فرض ان الإناءين ليسا لهما حالة سابقة فان كلا من الإناءين يكون موردا لقاعدة الطهارة فجريانها في الإناءين موجب للمخالفة القطعية ومثله ما لو كان احدهما مسبوقا بالطهارة والثاني غير مسبوق بالطهارة فبالنسبة الى المسبوق بالطهارة تجري استصحاب الطهارة وبالنسبة الى غير المسبوق تجري قاعدة الطهارة.

ودعوى تقدم الاصل المحرز على غيره فهو بالنسبة الى ما يكون في مورد واحد لا في موردين هذا فيما لو كان مفاد العلم الاجمالى مفاده حكما الزاميا والاصل

٢٤٨

__________________

الخارجي ناف ، وأما لو كان مفاد العلم الاجمالي ترخيصا والأصل الجارى حكما الزاميا فان كان الأصل مبينا للتكليف ولم يكن من الاصول المحرزة فلا اشكال في جريانه في جميع الاطراف كما لو علمنا بجواز النظر الى احدى المرأتين نسبا او مصاهرة فلا مانع من الرجوع الى قاعدة الاشتغال لعدم تحقق المخالفة القطعية ، واما إذا كان الاصل محرزا كالاستصحاب ، ففى جريانه خلاف. فذهب الشيخ والاستاذ المحقق النائينى الى عدم جريانه خلافا للمحقق الخراسانى ، وسيأتى ذلك ان شاء الله تعالى.

وبعد معرفة ذلك فاعلم ان في المقام لنا علم اجمالي بوجود احكام الزامية وترخيصية في ضمن الروايات المعتبرة فبالنسبة الى الاحكام الالزامية لا تجري الاصول العملية بجميع اقسامها. واما بالنسبة الى الترخيصية فعلى القول بحجيتها. فكذلك لا تجري ايضا الاصول العملية ، واما بناء على جواز العمل بها من باب العلم الاجمالي بصدور كثيرها بل اكثرها فقاعدة الاشتغال تجري في موارد العلم الاجمالي من غير خلاف.

واما الاستصحاب المثبت للتكليف فقد عرفت انه محل خلاف على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى.

أما الجهة الثانية : نسبة الامارات الى الاصول اللفظية تخصيص أو تقييد كما لو ورد عام او مطلق مقطوع الصدور بالتواتر او بغيره. ثم ورد خبر واحد مفاده التخصيص او التقييد ، فعلى القول بحجيته يتقدم على العام او المطلق لان الخاص بمنزلة القرينة لتخصيص العام. واما بناء على وجوب العمل بالاخبار من باب الاحتياط ، فهل يتقدم على العمومات والمطلقات القطعية الصدور ام لا؟ فيه خلاف ينسب الى صاحب الكفاية هو الثاني نظرا الى ان

٢٤٩

__________________

المطلق او العام حجة في مدلوله ، ولا يرفع اليد عنه بحجة اقوى مع ان كل واحد من الامارات غير ثابت الحجية بالخصوص ومجرد العلم الاجمالي بوجود الصادر فيها لا اثر له والحق ان مفاد الامارة اذا كان عمومه بالاطلاق فتارة يكون حكما الزاميا والخاص حكم غير الزامي كقوله تعالى : (حَرَّمَ الرِّبا) وقوله (ع): «لا ربا بين الوالد والولد». واخرى يكون مفاد العام حكما ترخيصيا ، والخاص حكما الزاميا كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقوله (ع) : نهى النبي (ص) عن بيع الغرر ، فعلى الاول يتقدم العام ولا يعمل بالخاص بعد فرض عدم حجيته لان العلم الاجمالي بورود التخصيص على العمومات اجمالا وان اوجب سقوط اصالة العموم في كل واحد منها إلا ان العلم الاجمالي بارادة العموم من بعضها يقتضي لزوم العمل بجميع العمومات المتضمنة للاحكام الالزامية ولا يعارضها العلم الاجمالي بصدور بعض المخصصات غير المتضمنة للحكم الالزامي إذ لا اثر للعلم الاجمالي غير المتعلق بالحكم الالزامي فيجب الاخذ بالعمومات والمطلقات من باب الاحتياط لا من جهة حجية اصالة العموم او الاطلاق. اللهم إلا ان يقال بحجية الامارات فيحل بها العلم الاجمالي. وعلى الثانى يجب تقديم المخصصات ولو كان العمل بها من باب الاحتياط للعلم الاجمالي بصدور بعضها المشتمل على الاحكام الالزامية فانه يقتضي سقوط الاصول اللفظية كاصالة العموم او الاطلاق في جميع اطرافه كما تسقط الاصول العملية في جميع الاطراف إذ اجرائها مستلزم للمخالفة القطعية وإجراؤها في بعضها ترجيح بلا مرجح ومع عدم جريان الاصول اللفظية في المقام لا مجال لدعوى ان العموم او الاطلاق يكون حجة ولا يرفع اليد عنها إلا بحجة اقوى كما لا يخفى.

٢٥٠

ومما استدل به على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتبرة عند الطائفة ما ذكره في الوافية ما لفظه : (انا نقطع ببقاء التكليف الى يوم القيامة سيما بالاصول الضرورية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها. مع ان جل اجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن انكر انما ينكر باللسان وقلبه مطمئن بالايمان) انتهى موضع الحاجة من نقل كلامه قدس‌سره واعترض عليه الشيخ الانصاري قدس‌سره.

اولا ـ بأن العلم الاجمالي حاصل بجميع الاخبار لا خصوص الاخبار الموجودة بالكتب المعتمد عليها عند الطائفة ، فعليه يجب العمل بكل خبر او العمل بكل مظنون الصدور.

ثانيا ـ ان هذا الدليل إنما يفيد اعماله في الاخبار المثبتة ، واما الاخبار النافية فلا يتأتى إذ مقتضى العلم الاجمالي الاحتياط ، والاحتياط إنما يكون في الاخبار المثبتة دون النافية.

اقول الانصاف : ان الكتب التي هي محل الاعتماد كالكتب الاربعة ليست كسائر الامارات الظنية ، إذ هي محل للاطمئنان ، والعمل بهذه الاخبار الموجودة في تلك الكتب يختلف فكل بحسبه ، فالعمل بالاخبار المثبتة ان كانت متعلقة بالجوارح وهي الاعمال الخارجية ، فهو وإلا كان بالجوانح وهي الاعمال القلبية كالاعتقادات التي ترجع الى الجنان وان كانت الاخبار النافية ، فالعمل بها هي الموافقة للجنانية النافية التي قام على اعتبارها دليل قطعي فكما ان الذي قام على اعتباره دليل قطعي

٢٥١

يجب الاخذ بمفاده ، فكذا هذه الاخبار. هذا بناء على وجوب الموافقة الالتزامية ، واما بناء على عدم وجوب الموافقة الالتزامية فلا يلزم البناء في كلا المقامين والعمل إنما يكون بالبناء القلبي ولكن غير لازم ، ويمكن ان يقال بوجود العلم الاجمالي بثبوت تكاليف في مورد الاخبار النافية فلا تكون معتبرة بل تكون ساقطة عن الاعتبار لوجود العلم الاجمالي ، ولكن لا يخفى ان دعوى مثل هذا العلم الاجمالي في مثل المقام محل منع ولاجل ما ذكرنا عدل الاستاذ قدس‌سره في الكفاية الى اشكال آخر ما لفظه : (بأن قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما من عموم او اطلاق لا الحجية بحيث يخصص او يقيد بالمثبت منها او يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان اصلا كما لا يخفى انتهى).

والحق في الجواب عن هذا الاشكال هو ان العمومات والاطلاقات في قبال الاخبار النافية لا اعتبار بها لانا نعلم بتخصيصها وتقييدها بتلك الاخبار فتكون مجملة إذ هي متخصصة بمبهم فتكون بحكم المجمل فلا اعتبار بتلك العمومات والاطلاقات كما انه لا اعتبار بالاصول الشرعية في قبال تلك الاخبار النافية لانه مع العلم بصدور بعض الاخبار تكون الاصول الشرعية محكومة فتسقط الاصول الشرعية عن الاعتبار ، واما الاصول العقلية فالحكم بالاشتغال في مسألة الشك في الشرطية والجزئية ، وستعرف ان شاء الله تعالى ان الحق في تلك المسألة هو القول بالبراءة ، وان القول بالاشتغال خلاف التحقيق ولو وجد مورد من غير تلك المسألة يكون مجرى قاعدة الاحتياط فهو نادر ولو فرض فلا يضر كونه في قبال الاخبار النافية فتأمل في المقام.

٢٥٢

ومما استدل به على حجية الخبر ما ملخصه انه لا اشكال ولا ريب بوجوب العمل بالكتاب والسنة والاجماع ، فان امكن الرجوع اليهما بالعلم فهو وإلا فلا بد من الرجوع اليهما على وجه يحصل منهما الظن ، ولكن لا يخفى انه ما المراد بالوجوب ان كان المراد به الوجوب العقلي الناشئ عن الكتاب والسنة من جهة مراعاة الاحكام الواقعية فهو يرجع الى ما سيأتي ان شاء الله من دليل الانسداد ، وتعرف من قريب الدليل والجواب ان شاء الله تعالى ، وان كان المراد من الوجوب الوجوب العقلي ولكن غير ذلك الوجوب العقلي الذي ذكرناه سابقا ، بل يكون ناشئا من العلم الاجمالي بصدور ما بأيدينا من الاخبار فهو راجع الى الدليل السابق ، وقد مر تقريبه والجواب عنه وان كان المراد من الوجوب الوجوب التعبدي أي يجب علينا تعبدا العمل بالاخبار وظواهر الكتاب. فنقول : انه ليس من المتفق عليه العمل بها كيف وقد خالف جل الاخباريين في العمل بظواهر الكتاب ، وبالجملة المسألة لم تكن بهذا الوضوح والظهور كما لا يخفى علي من تأمل.

هذا تمام الكلام في حجية خبر الواحد وبذلك يتم البحث عن الظنون الخاصة والحمد لله رب العالمين.

٢٥٣

حجية مطلق الظن

المبحث السابع : في ان مطلق الظن حجة خبرا كان أو غيره ، وقد استدل عليه بوجوه :

الأول ـ ان في مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة للضرر ودفع الضرر المظنون واجب ، أما الصغرى فللملازمة بين الظن بالوجوب أو الحرمة وبين الظن بالعقوبة على المخالفة أو الظن بالمفسدة بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد. وأما الكبرى فلاستقلال العقل بدفع الضرر (١) ولكن لا يخفى انه ما المراد من الضرر هل الأخروي أو الدنيوى؟ فان كان المراد بالضرر

__________________

(١) والظاهر ان وجوب دفع الضرر ليس من الاحكام العقلية وإنما هو امر فطري جبلي وهو حاصل لمن له ادنى شعور وادراك على الفرار من الاضرار بل ذلك جار في الحيوانات والاطفال في مبدإ نشوئهم وادراكهم. ومنه يعلم فساد ما قيل بأن دفع الضرر المظنون واجب اذا قلنا بأن التحسين والتقبيح عقليان وإلا فلا. لما عرفت انه من الامر الفطري الذي هو حاصل لمن له ادنى شعور وادراك ، وليس من الاحكام العقلية على انه لو قلنا بأنه من الاحكام العقلية فانه يحكم العقل ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين. قال المحقق الخراساني في كفايته ما لفظه : (فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما بل بكون التزامه بدفع الضرر

٢٥٤

الاخروي فنمنع الصغرى وهي كون مخالفة الظن بالوجوب أو التحريم مظنة

__________________

المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح) مضافا الى ان باب التحسين والتقبيح العقليين إنما هو في سلسلة المعلولات فأحدهما اجنبي عن الآخر وقد اجيب عن ذلك بوجوه. والصحيح منها هو انه ما المراد من الضرر فان اريد من الضرر الاخروي فنمنع الصغرى إذ لا يستلزم من الظن بالتكليف الظن بالعقوبة على المخالفة مع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

ودعوى جريان قبح العقاب بلا بيان فيما لو احتمل التكليف ، ولا يجري فيما لو ظن بالتكليف لعدم استقلال العقل فيما لو ظن بالتكليف بقبح العقاب بلا بيان ممنوعة بأن الظن مع عدم حجيته ، فهو كالشك والاحتمال وحينئذ يجري قبح العقاب بلا بيان في الظن كما يجري في الشك.

ومما ذكرنا يظهر الاشكال فيما ذكره المحقق الخراسانى قدس‌سره في الكفاية بما حاصله بأن العقل وان لم يكن مستقلا باستحقاق العقاب على مخالفة التكليف المظنون ولكنه غير مستقل بعدمه فيكون العقاب محتملا والعقل حاكم بلزوم دفع الضرر المحتمل إذ العقل يحكم باستحقاق العقاب لكونه من آثار مخالفة التكليف المنجز وقد فرض ان الظن بالتكليف ليس بحجة معتبرة فلا يكون منجزا للتكليف فمع عدم البيان فالعقل يستقل بعدم العقاب فكيف يتحقق احتمال العقاب وحكم العقل بذلك من دون ان تتحقق هناك مصلحة يتدارك بها الضرر على تقدير تحققه خلافا للشيخ قدس‌سره حيث قال : «الاولى ان يقال ان الضرر وإن كان مظنونا إلا ان الشارع حكم قطعا او ظنا بالرجوع في مورد الظن الى البراءة والاستصحاب

٢٥٥

للضرر إذ كونه مظنة للضرر لا يكون إلا وأن يكون التكليف الواقعي منجزا

__________________

وترخيصه بترك مراعاة الظن اوجب القطع او الظن بتدارك ذلك الضرر المظنون الخ». ولكن لا يخفى انه يرد عليه.

اولا ـ ان المصلحة السلوكية على تقدير تسليمها فانما هي في الاخبار في مقام الانفتاح بمعنى امكان الوصول الى الواقعيات حيث ان جعل الطريق في ذاك الحال لا يصح إلا بالالتزام بالمصلحة السلوكية حذرا في فوات الواقع ، واما في الاصول فجعلها إنما يكون في طرف عدم الوصول الى الواقع فلا معنى للمصلحة السلوكية حيث انه فيها المكلف هو اوقع نفسه في خلاف الواقع بخلاف التعبد في الأخبار بكون الشارع اوقعه في خلاف الواقع فيقبح من الشارع نصب الطريق ما لم تكن هناك مصلحة سلوكية تتدارك ما فانه من مخالفة الواقع.

وثانيا ـ ان العام لو كان شموله للافراد يحتاج الى عناية وكلفة ، فيدعي عدم شموله إلا إذا بقي العام بلا مورد لو لا تلك المئونة الزائدة فعموم ادلة الاصول لو كان شاملا للظن بالحكم توقف على اثبات تدارك الضرر والمفسدة ، وإذا توقف على ذلك فمن اول الامر العموم لا يشمل مورد الظن بالحكم ولا يلزم من ذلك بقاء العموم بلا مورد إذ المشكوكات باقية تحت العموم.

وثالثا ـ جريان القاعدة التي هي حكم العقل بقبح ما لا يؤمن منه الضرر يكون واردا او حاكما على الاصل العملي وان اريد الضرر الدنيوي فيمكن منع الصغرى حتى بناء تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد إذ ليس في مخالفة التكليف الوجوبى او التحريمي إلا الظن بفوات المصلحة لا الظن بالضرر فلا تغفل.

٢٥٦

بالظن ، ولا يحصل التنجز إلا بعد تمامية مقدمات الانسداد ، فمع عدم تماميتها لا تكليف واقعي منجز بهذا الظن ، وحيث ان مخالفته لا تترتب عليه عقوبة ، فلا يظن بالضرر بل هو مجال حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، فمع حكم العقل بالبراءة يقطع بانتفاء العقوبة ، فلا تحصل مظنة بالضرر ، بل يقطع بانتفاء الضرر ، وان كان المراد من الضرر هو الضرر الدنيوي فأيضا يمكن منع الصغرى اذ التكاليف انما تتبع المصالح والمفاسد ، وليست تابعة للمضار والمنافع ، فمع مخالفة التكليف المظنون يظن فوات المنفعة أو الوقوع في المفسدة ، وليس فوات المنفعة أو الوقوع في المفسدة اللذان انيطت بهما الأحكام بمضر لعدم التلازم بين فوات المنفعة والوقوع بالمفسدة وبين المضرة مع ان المصالح والمفاسد التي انيطت بها الأحكام بحسب الغالب إنما هي المصالح النوعية والمفاسد النوعية ، وعلى تقدير الملازمة فانما هي بين المفاسد النوعية وبين المضرة النوعية ومن الواضح ان الذي يجب دفعه هي المضرة الشخصية لا النوعية. اللهم إلا ان يقال انا نمنع الغلبة النوعية ، بل الذي هو الغالب في باب الأحكام المضرة الشخصية ، ولما كان المناط بحسب الغالب المضرة الشخصية ، فلا مانع من الالتزام بأن ترخيص الشارع في الاقدام يدل على تدارك الضرر المظنون او المحتمل فيتوقف على اثبات البراءة الشرعية كما افاده شيخنا الأنصاري قدس‌سره في رسائله (١). وأورد عليه بعض الأعاظم (قده)

__________________

(١) وقد اورد عليه المحقق الخراساني قدس‌سره بأن المفسدة الواقعية الحاصلة بالفعل لا يتدارك بمصلحة الترخيص لفرض انها قائمة بنفس الترخيص لا بالفعل فالفعل باق على ما هو عليه قبل الترخيص فاحتمال الضرر فيه غير متدارك. نعم ما ذكر من الاشكال لا يتأتى فيما لو اريد من الضرر

٢٥٧

__________________

المحتمل هو العقاب لكون الترخيص ولو عن مصلحة يمنع من ترتب العقاب فمع احتمال العقاب لعدم حكم العقل بقبحه مع الظن بالتكليف إلا ان عموم ادلة البراءة توجب الامن من العقوبة. اللهم إلا ان يقال بأن القاعدة حاكمة على البراءة ولكنه محل منع إذ القاعدة إنما تتأتى مع احتمال الضرر والبراءة رافعة لهذا الاحتمال فلا يبقى مجال لمجيء القاعدة وكيف كان فقد قال المحقق النائيني في درسه الشريف : ان كلمات الشيخ في هذا المقام مضطربة فحينئذ ينبغي رسم امور لتوضيح مقصوده (قده) على نحو الاجمال وسيأتي ان شاء الله تعالى في بحث الاشتغال على نحو التفصيل :

الامر الأول ـ ان الوظيفة تارة ترجع الى الشارع واخرى ترجع الى العبد ، اما ما ترجع الى ناحية الشارع باعتبار كونه مشرعا من ارسال الرسل وتبليغ الاحكام ونصب الطرق وايصالها الى المكلف ويجمعها امكان حصول العلم العادي بالتكليف للعبد فاذا تحققت وظيفة الشارعية فتتبعه وظيفة العبودية من التفحص لكى يحصل له العلم العادي فيأتي العبد بالفعل المأمور به او ينتهي عما نهى عنه. فالامور التي ترجع الى الشارع يلزم عليه اعمالها ، فلو لم يحصل مثل عدم ارسال الرسل ولم يحصل التبليغ او ان الرسل بلغوا ولكن حصل مانع من التبليغ فهو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وفي هذا المقام ليس مجرى وجوب دفع الضرر المحتمل واما الامور التي ترجع الى وظيفة العبد مثلا الشارع المقدس ارسل الرسل وقاموا بتبليغ الاحكام بحيث لو تفحص العبد لحصل عنده علم عادي

٢٥٨

من ان تدارك الضرر انما يجب على الشارع اذا كان قد اوقع المكلف في خلاف الواقع

__________________

ولكن وظيفته لم يعملها بأن لم يتفحص ، ففي هذا المقام تجري قاعدة الضرر المحتمل وليس موردا لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، اذا عرفت ذلك فاعلم انه بالنسبة الى ما علم من اي القسمين يعمل به من غير اشكال واما لو شك في انه من اي القسمين كمثل الشبهات الحكمية الذي هو محل الخلاف بين الاصوليين والاخباريين ، فهل لنا اصل يحرز دخوله تحت قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، او قاعدة دفع الضرر المحتمل التحقيق ، انه مع الشك يدخل تحت قاعدة قبح وجوب دفع الضرر المحتمل لان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إنما تكون مؤمنة من العقاب في صورة العلم لعدم حصول وظيفة الشارع ومع الشك لم تحرز المؤمنية فتجري قاعدة دفع الضرر المحتمل وتفصيل ذلك في بحث الاشتغال.

الامر الثاني ـ ان الملاكات بحسب عالم الثبوت تارة تكون لها اهمية بحيث توجب جعلين كمثل الدماء والفروج فان فيها ملاكا يبلغ اهميته الى جعلين جعل في ظرف العلم ، وجعل في ظرف الشك واخرى لا يكون له ملاك يبلغ الى حد يوجب جعلين بل انما يوجب جعل واحد فلا يجب الاحتياط واما لو شك في ان الملاك من اي القسمين فليس عندنا ما يحرز بأنه من اي القسمين إلا دعوى ان مقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ان الملاك من قبيل الثانى بيان ذلك ان الجعل الثانى على نحو الجعل الاول في انه بيد الشارع وليس للعقل تشريع جعل ، فاذا شك في تحققه فمن الواضح انه من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان ولا يكون من

٢٥٩

الشارع قد أوقع المكلف في خلاف الواقع ، إذ لو لا التعبد بالاصول لكان المكلف

__________________

موارد قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

الامر الثالث ـ انه بناء على القسم الثاني من عدم اهمية الملاك الموجب لجعلين بل يوجب جعلا واحدا ، ففي ظرف الشك هل يلزم على الشارع جعل ما يتدارك من فوات مصلحة الواقع ام الوقوع في المفسدة ام لا يلزم ، الظاهر انه لا يجب وانما يجب التدارك لو كان هو نصب الطريق مع امكان العلم بالواقع مع انه اخطأ الطريق لا مثل المقام. وبعبارة اخرى ان جعل الطريق لما كان راجعا اليه وهو الذي اوقع العبد في مخالفة الواقع فيجب التدارك كما حققناه في مبحث جعل الطرق وليس المقام من ذاك القبيل فظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره شيخنا الانصاري في هذا المقام من الخلط بين المقامين فافهم.

الامر الرابع ـ ان الضرر تارة يكون اخرويا واخرى يكون دنيويا فان كان الضرر اخرويا فيخرج عن مورد قاعدة وجوب دفع الضرر إذ المولى لما كان عليه البيان مع امكان الوصول عادة فمع عدم وصوله واحتماله يكون من موارد قاعدة قبح العقاب بلا بيان فمع شمولها لا يبقى موضوع لصغرى قاعدة وجوب دفع الضرر وان كان الضرر دنيويا اي المفاسد الدنيوية ، فحينئذ لا يخلو الحال من ان يراد بها المصالح او المفاسد النوعية ، والمراد بها الشخصية ، فان كانت النوعية فلا يحصل الظن بها حيث ان المفسدة النوعية اجنبية عما اتى بها حيث انه مع اتيان الفعل لم يكن هناك احتمال الضرر وان كانت شخصية فلا يخلو اما ان تكون واجبة او محرمة ، وعلى الاول اما عبادة او غير عبادة ، اما اذا كانت واجبة فلا تكون مضرة وانما هو جلب منفعة مضافا الى ان العبادة متقومة بقصد التقرب ، وقصد

٢٦٠